يعقوب ـ بين الدين والإيمان
يعقوب ينمو تدريجياً من الدين للإيمان!
وَلَمَّا
كَانَ عِيسُو ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً اتَّخَذَ زَوْجَةً: يَهُودِيتَ
ابْنَةَ بِيرِي الْحِثِّيِّ، وَبَسْمَةَ ابْنَةَ إِيلُونَ الْحِثِّيِّ. 35فَكَانَتَا مَرَارَةَ نَفْسٍ لإِسْحَاقَ وَرِفْقَةَ. 46وَقَالَتْ
رِفْقَةُ لإِسْحَاقَ: «مَلِلْتُ حَيَاتِي مِنْ أَجْلِ بَنَاتِ حِثَّ. إِنْ
كَانَ يَعْقُوبُ يَأْخُذُ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ حِثَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ
مِنْ بَنَاتِ الأَرْضِ، فَلِمَاذَا لِي حَيَاةٌ؟».
الأصحَاحُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ
1فَدَعَا إِسْحَاقُ يَعْقُوبَ وَبَارَكَهُ، وَأَوْصَاهُ وَقَالَ لَهُ: «لاَ تَأْخُذْ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ كَنْعَانَ. 2قُمِ
اذْهَبْ إِلَى فَدَّانَِ أَرَامَ، إِلَى بَيْتِ بَتُوئِيلَ أَبِي أُمِّكَ،
وَخُذْ لِنَفْسِكَ زَوْجَةً مِنْ هُنَاكَ، مِنْ بَنَاتِ لاَبَانَ أَخِي
أُمِّكَ. 3وَاللهُ الْقَدِيرُ يُبَارِكُكَ، وَيَجْعَلُكَ مُثْمِرًا، وَيُكَثِّرُكَ فَتَكُونُ جُمْهُورًا مِنَ الشُّعُوبِ. 4وَيُعْطِيكَ بَرَكَةَ إِبْرَاهِيمَ لَكَ وَلِنَسْلِكَ مَعَكَ، لِتَرِثَ أَرْضَ غُرْبَتِكَ الَّتِي أَعْطَاهَا اللهُ لإِبْرَاهِيمَ». 5فَصَرَفَ
إِسْحَاقُ يَعْقُوبَ فَذَهَبَ إِلَى فَدَّانَِ أَرَامَ، إِلَى لاَبَانَ
بْنِ بَتُوئِيلَ الأَرَامِيِّ، أَخِي رِفْقَةَ أُمِّ يَعْقُوبَ وَعِيسُوَ. 6فَلَمَّا
رَأَى عِيسُو أَنَّ إِسْحَاقَ بَارَكَ يَعْقُوبَ وَأَرْسَلَهُ إِلَى
فَدَّانَِ أَرَامَ لِيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مِنْ هُنَاكَ زَوْجَةً، إِذْ
بَارَكَهُ وَأَوْصَاهُ قَائِلاً: «لاَ تَأْخُذْ زَوْجَةً مِنْ بَنَاتِ
كَنْعَانَ». 7وَأَنَّ يَعْقُوبَ سَمِعَ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَذَهَبَ إِلَى فَدَّانَِ أَرَامَ،. 8رَأَى عِيسُو أَنَّ بَنَاتِ كَنْعَانَ شِرِّيرَاتٌ فِي عَيْنَيْ إِسْحَاقَ أَبِيهِ، 9فَذَهَبَ
عِيسُو إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَأَخَذَ مَحْلَةَ بِنْتَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ، أُخْتَ نَبَايُوتَ، زَوْجَةً لَهُ عَلَى نِسَائِهِ. 10فَخَرَجَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ وَذَهَبَ نَحْوَ حَارَانَ. 11وَصَادَفَ
مَكَانًا وَبَاتَ هُنَاكَ لأَنَّ الشَّمْسَ كَانَتْ قَدْ غَابَتْ،
وَأَخَذَ مِنْ حِجَارَةِ الْمَكَانِ وَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ،
فَاضْطَجَعَ فِي ذلِكَ الْمَكَانِ. 12وَرَأَى حُلْمًا، وَإِذَا
سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ،
وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا. 13وَهُوَذَا
الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ
أَبِيكَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا
أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ. 14وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ
الأَرْضِ، وَتَمْتَدُّ غَرْبًا وَشَرْقًا وَشَمَالاً وَجَنُوبًا،
وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. 15وَهَا
أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ
الأَرْضِ، لأَنِّي لاَ أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ». 16فَاسْتَيْقَظَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ فِي هذَا الْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ!». 17وَخَافَ وَقَالَ: «مَا أَرْهَبَ هذَا الْمَكَانَ! مَا هذَا إِلاَّ بَيْتُ اللهِ، وَهذَا بَابُ السَّمَاءِ». 18وَبَكَّرَ
يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ وَأَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ
رَأْسِهِ وَأَقَامَهُ عَمُودًا، وَصَبَّ زَيْتًا عَلَى رَأْسِهِ. 19وَدَعَا اسْمَ ذلِكَ الْمَكَانِ «بَيْتَ إِيلَ»، وَلكِنِ اسْمُ الْمَدِينَةِ أَوَّلاً كَانَ لُوزَ. 20وَنَذَرَ
يَعْقُوبُ نَذْرًا قَائِلاً: «إِنْ كَانَ اللهُ مَعِي، وَحَفِظَنِي فِي
هذَا الطَّرِيقِ الَّذِي أَنَا سَائِرٌ فِيهِ، وَأَعْطَانِي خُبْزًا لآكُلَ
وَثِيَابًا لأَلْبَسَ، 21وَرَجَعْتُ بِسَلاَمٍ إِلَى بَيْتِ أَبِي، يَكُونُ الرَّبُّ لِي إِلهًا، 22وَهذَا الْحَجَرُ الَّذِي أَقَمْتُهُ عَمُودًا يَكُونُ بَيْتَ اللهِ، وَكُلُّ مَا تُعْطِينِي فَإِنِّي أُعَشِّرُهُ لَكَ»
هذا
هو اختبار "التجديد" ليعقوب، حيث "يظهر الله له" ويلمس قلبه ويعلن له عن
نفسه. عندئذ يتحول الله من "إله آباءه" أو "الدين الذي ورثه عن آباءه" إلى
إلهه الشخصيّ: يَكُونُ الرَّبُّ لِي إِلهًا.
عندما يتعرف الإنسان على شخصية الله ويفهم مقاصده وطرقه من نحو الإنسان،
ويؤمن به إيماناً شخصياً قلبياً يصبح بالفعل مؤمناً حقيقياً وليس مجرد
"متدين". لقد كان يعقوب متديناً حتى هذه اللحظة.
صحيح أنه كان مهتماً بالأمور الروحية وإتمام الوصايا والفرائض والشعائر (مع
أنه لم يكن هناك في ذلك الوقت الكثير من هذه الفرائض)، ويعرف "عن" الله
لكن لم يحدث لقاء شخصي بينهما. يخبرنا العهد الجديد
أن الله يريد أن يقابل كل إنسان هذه المقابلة الشخصية.وهو يستغل الظروف
التي تخفت فيها أصوات الحياة ويقل انشغالنا بها لكي ينادي علينا. من يسمعون
ويتجاوبون و"يخرجون" خارج "ساقية" حياتهم الدوّارة فهم الذين يستمعون لصوت
نداءه ويصنعوا معه هذه العلاقة الشخصية. أحياناً يستخدم الله الألم
والمعاناة أو الغربة (كما هو الحال في حالة يعقوب) أو الخوف (كما سنرى في
حالة خوف يعقوب من انتقام أخيه عيسو). في هذه الأحيان نكتشف وجود الله الذي
كان موجوداً دائماً ولم نكن نعلم لأننا لم ننتبه وذلك كما يقول يعقوب: «حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ فِي هذَا الْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ!»
نلاحظ أيضاً أن يعقوب لا يزال "نموه الروحي" محدوداً، وبالرغم من أنه تعرف على الله، إلا أنه لا يزال منحصراً في نفسه ويربط علاقته بالله بحدوث الخير له وكأنه "يقايض" الله. وَنَذَرَ
يَعْقُوبُ نَذْرًا قَائِلاً: «إِنْ كَانَ اللهُ مَعِي، وَحَفِظَنِي فِي
هذَا الطَّرِيقِ الَّذِي أَنَا سَائِرٌ فِيهِ، وَأَعْطَانِي خُبْزًا لآكُلَ
وَثِيَابًا لأَلْبَسَ، 21وَرَجَعْتُ بِسَلاَمٍ إِلَى بَيْتِ أَبِي، يَكُونُ الرَّبُّ لِي إِلهًا، 22وَهذَا الْحَجَرُ الَّذِي أَقَمْتُهُ عَمُودًا يَكُونُ بَيْتَ اللهِ، وَكُلُّ مَا تُعْطِينِي فَإِنِّي أُعَشِّرُهُ لَكَ» بالرغم
من تعرفه على الله بصورة شخصية، إلا أنه لا يزال أسيراً للدين. و أقصد
بالدين هنا أن "نفعل أشياء" لكي نرضي الله، لكي يقوم هو بدوره بمكافأتنا
بأن يكون معنا ويحفظنا ويعطينا خبزاً وثياباً. مازال يعقوب، مثلنا في كثير
من الأحيان، مشغولاً بعطايا الله أكثر من انشغاله بالله نفسه. كثيرون منا
هكذا، ليس فقط لأنانيتنا وانحصارنا في أنفسنا، لكن أيضاً لأننا لا نعرف
الله جيداً فنخاف منه فنطيعه إما طمعاً أو خوفاً. وحتى إذا لم يكن لدينا
الطمع أو الخوف فنحن كثيراً ما لا ندرك أن من الممكن إقامة "علاقة شخصية"
دعني أقول "عاطفية"، "رومانسية" مع الله. لكن عندما يحدث هذا فإننا نكتشف
أن هذه العلاقة أغلى من كل كنوز الأرض وقادرة أن تجعلنا نشعر بالرضا حتى
ولو لم يحفظنا الله حفظاً جسدياً مادياً(ولنا في قصة أيوب مثالاً سوف نتناوله عندما نصل لهذا الِسفر). تعرف
يعقوب على الله وصار "مؤمناً" لكن لا يزال التدين يشكل جزءاً من تكوينه.
وفي الأجزاء التالية من قصة يعقوب سنرى كيف أن الله يهتم بنمو يعقوب الروحي
أكثر من نموه المادي وبالرغم من أنه سمح له بالنمو المادّي إلا أنه عاد
وهدد نموه المادي تهديداً كبيراً وجرده من كل شيء لكي يدخل بحياته الروحية
إلى مستوى أعلى من الإيمان ومستوى أقل من التدين
.