فائدة
وجود النزاع بين
الرغبات الروحية والجسدية
إضغط هنا لمشاهدة الصوره بحجمها الأصلي 720x400px.
موقف الإرادة الحرة التي للروح موقفًا وسطًا بين هذين النوعين من الرغبات
يستحق اللوم إلى حد ما، فهي لا تسر بكثرة الخطايا، ولا تجتهد في قمع ذاتها
من أهواء الجسد، غير راغبة في احتمال المتاعب اللازمة.
إنها تودّ المحافظة على عفة الجسد بدون أي تعب للجسد. وتطلب نقاوة القلب من غير أن تسعى مجاهدة.
وترغب في الالتصاق بالفضائل الروحية مع حفظها للمباهج الجسدية.
وتودّ الحصول على عطية الصبر من غير أن يحدث ضيق. وتطلب أن يكون لها اتضاع
المسيح دون أن تفقد الأمجاد الأرضية. وتشتاق إلى بساطة الإيمان مع حبها
لشهرة العالم. وترغب في خدمة المسيح مع الرغبة في مديح الناس...
وباختصار إنها تشغف بالتمتع بالبركات العتيدة من غير أن تفقد البركات الحاضرة.
هذه الإرادة الحرة لن تقودنا إلى بلوغ الكمال الحقيقي، بل تنحدر
بنا في حالة يائسة من الفتور. وتجعلنا كأولئك الذين انتهرهم الله في سفر
الرؤيا قائلاً: "أنا عارف أعمالك أنك لست باردًا ولا حارًا، ليتك كنت
باردًا أو حارًا. هكذا لأنك فاتر ولست باردًا ولا حارًا أنا مزمع أن
أتقيَّأَك من فمي" (رؤ15:3،16).
في هذه الحالة نقف بين الجانبين فتضطرب أحوالنا ونهلك بالفتور.
فإذ نترك العمل لإرادتنا الحرة، ونرغب في قيادتها في هذا الاتجاه من
الكسل، تظهر الشهوات الجسدية وتضايقنا بأهوائها الشريرة، وتجعلنا غير
محتملين أن نبقى في حالة النقاوة التي كنا نتمتع بها، وتغوينا بالفتور
ووسائل اللذة الشائكة التي تدفع بنا إلى الخوف.
كذلك إذا ما التهبنا بنشاط الروح، نرغب في اقتلاع أعمال الجسد،
ومن غير أن تلتفت (الروح) إلى الضعف البشري تحاول أن تسمو بنا في الجهاد
الزائد فوق حدود الفضيلة، لكن ضعف إرادتنا البشرية يسحبنا ويردّنا عن الحد
الزائد الذي يريده الروح والذي يضرنا.
وعلى هذا فإن النتيجة هي أن التناقض بين النوعين من الرغبات
يصير في نزاع من هذا النوع... وهذا يؤدي إلى نوع من التوازن في ميزان
الجسد، حيث تنكشف حدود الجسد وحدود الروح بأكثر دقة. فلا ُيسمح للعقل أن
يلتهب بجهاد الروح ليتسلط من الناحية اليمينية (أي يجاهد فوق الحدود
متناسيًا ضروريات الجسد)، ولا يسمح للجسد أن يميل إلى أشواك الخطية من
الناحية الشمالية (أي لا يندفع نحو رغبات الجسد متجاهلاً رغبات الروح).
وبينما يعمل هذا الصراع يومًا فيوم لفائدتنا، فإننا ننسحب إلى
المرحلة الرابعة... فنكتسب نقاوة القلب لا بالكسل بل بالجهاد المستمر
وانسحاق الروح. فنستعيد عفة جسدنا بالأصوام والجوع والعطش والسهر المستمر،
ونحصل على هدف قلوبنا بالقراءات والسهر والصلوات الدائمة وأتعاب الوحدة.
وننال الصبر باحتمال الضيقات، ونخدم خالقنا في وسط احتمال الإهانات، ونتبع
الحق ولو أبغضنا العالم وصار معاديًا لنا...
هذا النزاع يُحدث تعادلاً، فاتحًا لنا طريقًا سليمًا مضمونًا
للفضيلة معتدلاً بين الطريقين، مُعلمًا جنود المسيح أن يسيروا في الطريق
الملوكي (الإلهي